صدى الزواقين وزان وجبالة

صدى الزواقين Echo de Zouakine
صدى الزواقين وزان وجبالة echo de zouakine ouezzane et jbala

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

صدى الزواقين وزان وجبالة

صدى الزواقين Echo de Zouakine
صدى الزواقين وزان وجبالة echo de zouakine ouezzane et jbala

صدى الزواقين وزان وجبالة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صدى الزواقين وزان وجبالة ذكريات تراث تقاليد تعارف ثقافة وترفيه


    الجاهلية وما كان فيها من بقايا الحنيفية

    الشيخ الداودي
    الشيخ الداودي
    راقي ومعالج
    راقي ومعالج


    عدد الرسائل : 1046
    ذكر

    تاريخ التسجيل : 20/07/2008
    نقاط : 1858

    الجاهلية وما كان فيها من بقايا الحنيفية Empty الجاهلية وما كان فيها من بقايا الحنيفية

    مُساهمة من طرف الشيخ الداودي الثلاثاء 5 يوليو 2011 - 2:22

    الجاهلية وما كان فيها من بقايا الحنيفية

    وهذه أيضا مقدمة هامة
    لابد من دراستها قيل الخوض فى أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات ’ إذ هى
    تنطوى على حقيقة لا يزال خصوم هذا الدين
    يطمسون عليها ويزيفونها بأشكال من الوهم و الأباطيل .


    وخلاصة هذه الحقيقة أن الإسلام ليس إلا إمتداداً للحنيفية السمحة التى بعث الله بها أبا الأنبياء
    إبراهيم عليه السلام ’ وقد صرح
    بذلك كتاب الله عز وجل فى آيات كثيرة منها
    قوله ( وجاهدوا فى الله حق جهاده هو إجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج ملة
    أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من
    قبل ) الحج 78 وقوله تعالى :( قل صدق الله فاتبعوا ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من
    المشركين )


    وأنت خبير أن العرب هم أولاد إسماعيل ابن إبراهيم عليهما
    الصلاة و السلام ’ فكان أن توارثوا ملّة أبيهم ومنهاجه الذى بعث به من توحيد الله
    وعبادته و الوقوف عند حدوده وتقديس حرماته .


    وفى مقدمة ذلك
    تعظيم البيت الحرام وتقديسه
    واحترام شعائره والذود عنه و القيام بخدمته وسدانته فلما إمتدت بهم القرون و طال
    عليهم الأمد ’ أخذوا يخلطون الحق الذى توارثوه بكثير من الباطل الذى تسلل إليهم
    ’ شأن سائر الأمم و الشعوب عندما يغشاها الجهل ويبعد بها العهد ويندّس بين صفوفها
    المشعوذون و المبطلون .


    فدخل فيهم الشرك واعتادوا عبادة الأصنام وتسللت إليهم التقاليد
    الباطلة و الأخلاق الفاحشة ’ فابتعدوا بذلك عن ضياء التوحيد وعن منهج الحنيفية وعمت
    بينهم الجاهلية التى رانت عليهم أمدا من
    الدهر ’ ثم إنقشعت عنهم ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم .


    وكان أول من أدخل
    فيهم الشرك وحملهم على عبادة الأصنام عمرو
    بن لحىّ بن قمعة بن خزاعة : روى ابن اسحاق
    عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله
    صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن جون الخزاعى : يا أكثم ’ رأيت عمرو بن لحىّ بن قمعة بن خندف يجرّ قصبه فى النار ’ فما
    رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا بك منه ’ فقال أكثم : عسى أن يضرنى شبهه يارسول
    الله ؟ قال : لا ’ إنك مؤمن وهو كافر ’ إنه أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيّب السائبة ووصل
    الوصيلة وحمى الحامى )
    .


    وروى ابم هشام كيفية إدخال عمرو بن لحىّ هذا ’ عبادة الأصنام
    فى العرب فقال : خرج عمروبن لحىّ من مكة الى الشام فى بعض أموره ’ فلما قدم ( مآب )
    من أرض البلقاء ’ وبها يومئذ العماليق - وهم ولد عملاق ’ ويقال عمليق بن لاوذ بن
    سام بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام ’ فقال لهم ما هذه الأصنام التى أراكم تعبدون ؟
    قالوا له : هذه أصنام نعبدها نستمطرها فتمطرنا ’ ونستنصرها فتنصرنا ’ فقال لهم أفلا
    تعطوننى منها صنما فأسير به الى أرض العرب فيعبدوه ؟ فأعطوه صنما يقال له ( هبل )
    فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه .


    وهكذا إنتشرت عبادة الأصنام فى الجزيرة العربية وشاع فى أهلها الشرك ’ فانسلخوا من عقيدة
    التوحيد التى كانوا عليها واستبدلوا بدين
    إبراهيم وإسماعيل غيره ’ وانتهوا الى مثل ما إنتهت إليه الأمم الأخرى من الضلالات و
    القبائح فى المعتقدات و الأفعال .


    وكان من أهم ما دفعهم الى ذلك كله الجهل و الأمية و التأثر بمن
    كان حولهم من أشتات القبائل و الأمم غير أنه
    بقيت فيهم بقية من الناس - وإن
    كانت تقل مع الزمن - ظلت متمسكة بعقيدة التوحيد’ سائرة على نهج الحنيفية : تصدق
    بالبعث و النشور وتوقن بأن الله يثيب المطيع و يعاقب العاصى ’ وتكره هذا الذى
    استحدثه العرب من عبادة الأوثان وضلالات الرأى و الفكر ’ ولقد إشتهر من هذه البقية
    كثيرون : كقس بن ساعدة الأيادى ’
    ورئاب الشنّى ’ وبحيرا الراهب .




    كما أنه بقيت فى عاداتهم بقايا من عهد إبراهيم ومبادىء الدين الحنيف وشعائره - وإن كانت
    تتضاءل وتضعف مع الزمن - فكانت جاهليتهم تظل منصبغة ’ بقدر ما بآثار من شعائر
    الحنيفية ومبادئها ’ وإن كانت هذه الشعائر و المبادىء لا تكاد تظهر فى حياتهم إلاّ
    مشوهة فاسدة ’ وذلك كتعظيم البيت و الطواف به والحج و العمرة وكالوقوف بعرفة وهدى
    البدن ’ فأصل ذلك كله مشروع ومتوارث لديهم من عهد إبراهيم عليه الصلاة و السلام
    ولكنهم كانوا يطبقونه على غير وجهه ويقحمون فيه الكثير مما ليس منه ’ وكإهلالهم
    بالحج والعمرة ’ فقد كانت كنانة وقريش يقولون إذا أهلوا : ( لبيك الهم لبيك ’ لبيك
    لا شريك ’ إلاّ شريك هو لك ’ تملكه وما
    ملك ) فيوحدونه - كما قال ابن هشام - بالتلبية ’ ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون
    ملكها بيده .


    و الخلاصة أن نشأة التاريخ العربى إنما تمت فى كنف الحنيفية
    السمحة التى بعث بها أبو الأنبياء إبراهيم
    عليه السلام فكانت تغمر حياتهم عقيدة التوحيد
    ونور الهداية و الإيمان ’ ثم أخذ العرب يبتعدون عن ذلك الحق رويدا
    رويدا’ بعامل إمتداد الزمن و تطاول القرون
    وبعد العهد وأخذت حياتهم تنغمر بدلا من ذلك بظلمات الشرك و ضلالات الفكر وعماهة
    الجهل ’ مع إستمرار بقايا من معالم الحق القديم ومبادئه تخب فى سير بطىء مع تاريخهم
    ’ تذوى وتضعف مع الدهر ويقل أنصارها ما بين سنة و أخرى . فلما استنارت شعلة الدين الحنيف من جديد ’
    ببعثة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه
    وسلم ’ أقبل الوحى الإلهى الى كل ما قد
    تكثف من ضلالات و ظلمات خلال تلك الحقبة
    الطويلة من الزمن فمحاه و أنار مكانه بقبس الإيمان و التوحيد ومبادىء العدالة و
    الحق ’ وأقبل الى تلك البقايا التى إمتدت بها الحياة الى مشرق النور الجديد ’ مما
    كان قد بعث به إبراهيم عليه السلام و أقرته الشرائع الإلهية ’ فأقرها وأكدها وجدد
    الدعوة اليها .


    ولا ريب أن من نافلة القول وفضوله أن نؤكد بأن هذا الذى نقرره
    شىء معروف بالبداهة لمن إطلع على التاريخ ’ وأنه شىء ثابت بالبداهة لمن درس شيئا من
    الإسلام ’ غير أننا نضطر فى هذا العصر الى أن نضيع كثيرا من الوقت فى تأكيد
    البديهيات وتوضيح الواضحات . وذلك بعد أن
    رأينا بأعيينا كيف يخضع بعض الناس إعتقاداتهم لمجرد ما قد يكون فى نفوسهم من الرغبة
    و الإرادة .


    أجل لفقد عاشت هذه النوعية من الناس ’ ولم يعد يهمها أنها إنما تصفد عقلها بأقسى أغلال العبودية و
    الإسترقاق الفكرى ! . وما أعظم الفرق بين أن تكون إرادتك من وراء
    عقيدتك ’ وبين أن تكون عقيدتك وراء إرادتك . ما أعظم الفرق بينهما علواً وإسفافاً ’ وعزة وانحطاطا
    !
    يتبع ..
    الجاهلية وما كان فيها من بقايا الحنيفية 1479409340
    الشيخ الداودي
    الشيخ الداودي
    راقي ومعالج
    راقي ومعالج


    عدد الرسائل : 1046
    ذكر

    تاريخ التسجيل : 20/07/2008
    نقاط : 1858

    الجاهلية وما كان فيها من بقايا الحنيفية Empty رد: الجاهلية وما كان فيها من بقايا الحنيفية

    مُساهمة من طرف الشيخ الداودي الثلاثاء 5 يوليو 2011 - 2:23

    لقد وجد ناس يقولون - بالرغم من بداهة ما قلناه ووضوح براهينه
    - إن العصر الجاهلى أخذ يستيقظ قبيل البعثة على السبيل الأمثل الذى يجب إتباعه ’
    وأحذت الأفكار العربية تثور على مظاهر الشرك و عبادة الأصنام وما يحف بها ويتبعها
    من خرافات جاهلية ’ ولقد تمثلت هذه اليقظة و الثورة ببعثة محمد صلى الله عليه
    وسلم ودعوته الجديدة .

    ومعنى هذه الدعوة - كما لا يخفى عليك - أن التاريخ الجاهلى كان
    يزداد تفتحا على حقائق التوحيد ونور الهداية
    مع إمتداد الزمن وتطاول الدهر ’
    أى أنهم
    كلما إبتعدوا عن عهد إبراهيم وقامت بينهم وبينه قرون أخرى ’ إزدادوا قربا
    الى مبادىء دعوته حتى بلغ هذا القرب مداه الأخير
    إبّان بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم
    ! . فهل هكذا يقرر التاريخ ’ أم
    أنه يقرر عكس ذلك تماما فى أبسط ما تنطق
    به ( ألف باؤه ) الواضحة المفهومة ؟
    كل باحث و متأمل حر ’ يعلم أن العهد الذى بعث فيه محمد صلى
    الله عليه وسلم إنما كان أبعد العهود الجاهلية
    عن هديه عليه الصلاة و السلام
    بالنسبة لسائر العهود الأخرى ’ والأطلال التى كانت لدى العرب عند بعثته عليه الصلاة و السلام من معالم الحنيفية السمحة
    ومبادئها والتى كانت تتمثل فى لمع خاطفة من كراهية الأصنام و الترفع عن عبادتها وفى
    النزوع الى بعض الفضائل و القيم التى أقرها الإسلام - هذه الأطلال لا تبلغ معشار ما
    كان بارزاً واضحاً منها لديهم قبل بضعة
    قرون . وقد كان المتوقع حسب تصور هؤلاء
    إذاً لمعنى النبوة و البعثة ’ أن تكون بعثته عليه الصلاة و السلام قبل الزمن الذى
    بعث فيه بعدة قرون و أجيال !!


    وأما أناس آخرون ’ فقد طاب لهم أن يقرروا بأن محمد صلى الله
    عليه وسلم لمّا لم يستطع القضاء على معظم ما كان معروفا لدى العرب من الأعراف و
    التقاليد و الطقوس و الإعتقادات الغيبية ’ عمد فأسبغ على كل ذلك ثوب الديانة وأخرجه
    مخرج التكليفات الإلهية ’ وبتعبير آخر : إنما أتى محمد عليه الصلاة و السلام ليضيف
    الى جملة العقائد الغيبية عند العرب رقابة عليا
    قوامها شخصية إله قادر على ما يشاء ’ فعال لما يريد ’ فقد استمر العرب بعد
    الإسلام يؤمنون بالسحر و بالجن وبسائر العقائد المماثلة ’ كما أنهم ظلوا على ما
    كانوا عليه من الطواف بالكعبة وتقديسها و أداء طقوس وشعائر معينة نحوها .

    و إنما ينطلق هؤلاء فى دعواهم هذه من فرضيتين اثنتين لا يريدون أن يتصوروا
    خطأهما بحال ’ الفرضية الأولى : أن محمد صلى الله عليه وسلم ليس نبيا ’ والثانية :
    أن ما كان لدى العرب من بقايا إبراهيم التى
    تحدثنا عنها ’ إنما هو من
    مخترعاتهم وتقاليدهم التى إبتدعوها مع الزمن من عند أنفسهم ’ فليس إحترام الكعبة
    وتقديسها أثراً من آثار دعوة أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام كما أمره ربه بذلك ’ وإنما هو شىء نسجته البيئة
    العربية فكان تقليداً من جملة التقاليد العربية المختلفة .

    وفى سبيل المحافظة على هاتين الفرضيتين أن لا يصيبهما خدش أو
    وهن ’ يغمض أربابهما العين عن جميع الأدلة
    و الوقائع التاريخية الجلية الكبرى التى تقف فى طريقهما أو التى تردّهما وتكشف عن
    زيفهما و بطلانهما .


    غير أن المعلوم أن البحث عن الحقيقة لا يمكن
    أن يوصل الباحث إليها ما دام أنه لا يخط السبيل نحوها إلا ضمن ما تسمح به
    الفرضية التى وضعها فى ذهنه سلفا وقبل أى بحث . إن من المعلوم أن مثل هذا البحث
    إنما هو صورة من أوضح صور العبث و المضحك
    .


    عدل سابقا من قبل الشيخ الداودي في الثلاثاء 5 يوليو 2011 - 2:28 عدل 1 مرات
    الشيخ الداودي
    الشيخ الداودي
    راقي ومعالج
    راقي ومعالج


    عدد الرسائل : 1046
    ذكر

    تاريخ التسجيل : 20/07/2008
    نقاط : 1858

    الجاهلية وما كان فيها من بقايا الحنيفية Empty رد: الجاهلية وما كان فيها من بقايا الحنيفية

    مُساهمة من طرف الشيخ الداودي الثلاثاء 5 يوليو 2011 - 2:25


    ولذلك فإننا لا نجد مناصا من أن نأخذ عبين الإعتبار كل دليل عقلى أو واقعة تاريخية لدى محاولة الوصول الى أى حقيقة ’ ما دمنا لا نقصد إلا الحقيقة الذاتية نفسها ’ وما دمنا لا نريد أن نكذب على أنفسنا و على الناس فنصطنع البحث الحر إبتغاء حمل الآخرين على فكرة معينة مهما كان شأنها ومهما كانت علاقتها بالحقيقة وواقع الأمر ’ لا لشىء إلا لمجرد التعصب لها .

    فنحن لا يمكننا بحال أن نغمض الفكر عن دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم المختلفة مثل ظاهرة الوحى و معجزة القرآن وظاهرة التطابق بين دعوته ودعوة الأنبياء السابقين وجملة صفاته و أخلاقه ’ لمجرد أن تسلم لن فرضية أن محمداً عليه الصلاة و السلام ليس بنبىّ .

    كما أنه لا يمكننا بحال أن نغمض الفكر عن التاريخ الذى ينص على بناء إبراهيم للكعبة المشرفة بأمر ووحى من الله جل جلاله وعن جملة ما تعاقب الأنبياء على الدعوة إليه من توحيد الله عز وجل و الإيمان بالغيبيات المتعلقة بيوم الحشر و الجزاء وما يتبعه من جنة ونار مما دلت عليه نصوص الكتب السماوية السابقة وصدقه التاريخ ووعته الدهور و الأجيال ’ لمجرد أن تسلم لنا فرضية أن ما نسميه ( بقايا عهد إبراهيم ) فى العهد الجاهلى لم يكن إلا تقليد إبتدعها الفكر العربى وأن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما جاء ليطليها بطلاء الدين .

    ومن الجدير بالذكر أن تعلم أن الناس يطيب لهم أن يزعموا هذا الزعم ’ لا يسوقون بين يدى زعمهم هذا ولا من خلفه أى برهان أو دليل مهما كان نوعه ’ إنما هو العرض المجرد لهذا التصور وبسطه فى عبارات ممطوطة مكررة ليس إلاّ .

    ولعلك تطلب منى مثالاً على ذلك . إذاً فدونك فاقرأ كتاب بنية الفكر الدينى للمستشرق الإنكليزى المعروف ( جيب ) فستبصر حينئذ مدى ما تفعله العصبية العمياء بهؤلاء الناس تلك العصبية العجيبة التى كثيراً ما تحمل صاحبها على أن يتجرد حتى من مقومات كرامته وأن يتباله أمام شوامخ الأدلة و الحقائق الناصعة كى لا يلزم بالخضوع لها .

    إن بنية الفكر الدينى فى الإسلام بنظر جيب إنما هى تلك العقائد و الأفكار الغيبية عند العرب : ( الأحيائية العربية ) فقد تأمل محمد صلى الله عليه وسلم فيها فغير ما أمكنه تغييره ثم عمد الى الباقى مما لم يمكنه التخلص منه فكساه حلّة الدين الإسلامى ثم لم ينس أن يدعمه بهيكل من الأفكار و المواقف الدينية الملائمة ’ وهنا واجهته المشكلة العظمى التى إعترضت سبيله ’ فهو يريد أن يبنى هذه الحياة الدينية لا للعرب فقط بل لشعوب وأمم بأسرها ’ فكان أن أقام هذه الحياة ضمن منهج القرآن .

    تلك هى خلاصة أفكاره فى الكتاب . وتقرأ هذه اأفكار من أولها الى آخرها فلا تجده يقدم دليل واحد على شىء مما يقول . وتتأمل فى هذا الذى يعرضه ’ فلا تشك فى أن الرجل قد إستودع قواه العقلية بعيدا عن عن المكان الذى جلس يكتب فيه ’ واستعاض عنها بأوهام وخيالات خصبة راح يستوحى منهما كل ما يقرره ويحكم عليه .

    ويبدوا أنه حينما جلس يكتب مقدمة الترجمة العربية له ’ تصور كيف أن القراء سينبذون أفكاره هذه عن الإسلام بإحتقار ’ فراح يعتذر ! . راح يعتذر بأن قال : إن الأفكار التى أسست عليها هذه الفصول ليست بنات دماغ هذا المؤلف ’ بل سبقنى إليها ودلنى عليها جماعة من المفكرين ومن أقطاب المسلمين وقد يطول إحصاؤهم ’ فسأكتفى بذكر أحدهم بسبيل المثال ’ هو الشيخ الكبير شاه ولى الله الدهلوى . ثم نقل نصاً للشاه ولى الله الدهلوى عزاه الى ج 1 ص 122 من كتابه حجة الله البالغة ’ ويبدوا أنه إطمأن الى أن أحداً من القراء لن يجشم نفسه مشقة الرجوع الى الكتاب و التأكد من النص الذى فيه ’ فحرف على لسان الرجل ما شاء له هواه ’ واقتنص منه ما رآه كفيلا بتحوير معناه وتنكيس مقصده ’ حتى حمله بذلك من الوزر مالم يحمل و أنطقه بما هو منه برىء .

    فأما النص كما إنتزعه واقتنصه من أصله فهو ( أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث بعثة تتضمن بعثة أخرى ’ فالأولى إنما كانت الى بنى إسماعيل ... وهذه البعثة تستوجب أن يكون مادة شريعته ما عندهم من الشرائع وسنن العبادات ووجوه الإرتفاقات ’ إذ الشرع إنما هو إصلاح ما عندهم لا تكليفهم بما لا يعرفونه أصلاً ) .

    وأما النص الكامل الثابت فى كتاب حجة الله البالغة الى جانب نفس العبارات التى إقتنصها ليحور معناها فهو ما يلى : ( واعلم أنه صلى الله عليه وسلم بعث بالحنيفية الإسماعيلية ’ لإقامة عوجها وإزالة تحريفها و إشاعة نورها ’ وذلك قول الله تعالى ( ملة أبيكم إبراهيم ) ولما كان الأمر فى ذلك وجب أن تكون أصول تلك الملة مسلمة وسننها مقررة ’ إذ النبى إذا بعث الى قوم فيهم بقية سنة راشدة فلا معنى لتغييرها وتبديلها ’ بل الواجب تقريرها لأنه أطوع لنفوسهم وأثبت عند الإحتجاج عليهم ’ وكان بنوا إسماعيل توارثوا منهاج أبيهم إسماعيل ’ فكانوا على تلك الشريعة الى أن وجدعمرو بن لحىّ ’ فأدخل فيها أشياء برأيه الكاسد ’ فضل و أضل ’ وشرع عبادة الأوثان وسيّب السوائب وبحر البحائر ’ فهنالك بطل الدين واختلط الصحيح بالفاسد وغلب عليهم الجهل و الشرك و الكفر فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم مقيما لعوجهم ومصلحاً لفسادهم ’ فنظر صلى الله عليه وسلم فى شريعتهم فما كان منها موافقا لمنهاج إسماعيل عليه السلام أو من شعائر الله أبقاه ’ وما كان منها تحريفا أو فساداً أو من شعائر الشرك أو الكفر أبطله وسجل على إبطاله ) .

    ولا ريب أننا لا نسوق عمل مثل هذا ( الباحث ) وتحريفه للنظر و المناقشة فمن العبث مناقشة لغو مفضوح مثل هذا اللغو ’ ولكننا نقصد أن يعلم القارىء مدى ما تفعله العصبية العمياء بصاحبها . كما نريد أن يقف على حقيقة ما يتشدق به البعض عن منهجية البحث العلمى وموضوعيته لدى علماء الغرب ثم مدى ما يفعله التقليد الذليل الأعمى ببعض المسلمين أنفسهم .

    وإذاً فقد أدركت حقيقة العلاقة بين الإسلام و الفكر الجاهلى الذى كان سائدا لدى العرب قبل ظهوره ’ كما أدركت العلاقة بين العصر الجاهلى و الملّة الحنيفية التى كان قد بعث بها إبراهيم عليه الصلاة و السلام . وقد تجلى لك من ذلك ’ السبب الذى من أجله أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من العادات و المبادىء التى كانت سائدة عند العرب ’ فى حين أنه ألغى سائرها وذهب فى حربها و القضاء عليها كل مذهب .

    وبذلك نكون قد إنتهينا من عرض هذه المقدمات التى لابد منها بين يدى دراستنا لجوهر السيرة النبوية واستنباط فقهها و عظاتها .

    وستجد خلال أبحاثنا القادمة مزيداً من البراهين التى تؤكد ما أوضحناه وتزيد فى تجليته و الكشف عن حقيقته .


      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 17 مايو 2024 - 23:04